فصل: باب من أحق بالإمامة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 أبواب الإمامة وصفة الأئمة

 باب من أحق بالإمامة

1 - عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

2 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًا ولا يؤمنَّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا يؤمنَّ الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏سلمًا‏)‏ بدل ‏(‏سنًا‏)‏‏.‏

روى الجميع أحمد ومسلم‏.‏ ورواه سعيد بن منصور لكن قال فيه‏:‏ ‏(‏لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانوا ثلاثة‏)‏ مفهوم العدد هنا غير معتبر لما سيأتي في حديث مالك بن الحويرث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأحقهم بالإمامة أقرؤهم‏)‏ وقوله في الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم‏)‏ فيه حجة لمن قال يقدم في الإمامة الأقرأ على الأفقه وإليه ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحابهما‏.‏ وقال الشافعي ومالك وأصحابهما والهادوية‏:‏ الأفقه مقدم على الأقرأ‏.‏ قال النووي‏:‏ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه‏.‏

قال الشافعي‏:‏ المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره كان أقرؤهم أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارًا ويتفقهون قبل أن يقرؤوا فلا يوجد قارئ منهم إلا وهو فقيه وقد يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ لكن قال النووي وابن سيد الناس‏:‏ إن قوله في الحديث‏:‏ ‏(‏فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‏)‏ دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا وبه يندفع هذا الجواب عن ظاهر الحديث لأن التفقه في أمور الصلاة لا يكون إلا من السنة وقد جعل القارئ مقدمًا على العالم بالسنة وأما ما قيل من أن الأكثر حفظًا للقرآن من الصحابة أكثر فقهًا فهو وإن صح باعتبار مطلق الفقه لا يصح باعتبار الفقه في أحكام الصلاة لأنها بأسرها مأخوذة من السنة قولًا وفعلًا وتقريرًا وليس في القرآن إلا الأمر بها على جهة الإجمال وهو مما يستوي في معرفته القارئ للقرآن وغيره‏.‏

وقد اختلف في المراد من قوله ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم‏)‏ فقيل المراد أحسنهم قراءة وإن كان أقلهم حفظًا‏.‏ وقيل أكثرهم حفظًا للقرآن ويدل على ذلك ما رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح عن عمرو بن سلمة قال‏:‏ ‏(‏انطلقت مع أبي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بإسلام قومه فكان فيما أوصانا ليؤمكم أكثركم قرآنًا فكنت أكثرهم قرآنًا فقدموني‏)‏ وأخرجه أيضًا البخاري وأبو داود والنسائي وسيأتي في باب ما جاء في إمامة الصبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن كانوا في القراءة سواء‏)‏ أي استووا في القدر المعتبر منها إما في حسنها أو في كثرتها وقلتها على القولين ولفظ مسلم‏:‏ ‏(‏فإن كانت القراءة واحدة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعلمهم بالسنة‏)‏ فيه أن مزية العلم مقدمة على غيرها من المزايا الدينية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقدمهم هجرة‏)‏ الهجرة المقدم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره صلى اللَّه عليه وسلم بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما وردت بذلك الأحاديث وقال به الجمهور‏.‏ وأما حديث‏:‏ ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ فالمراد به الهجرة من مكة إلى المدينة أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح وهذا لا بد منه للجمع بين الأحاديث‏.‏ قال النووي‏:‏ وأولاد من تقدمت هجرته من المهاجرين أولى من أولاد من تأخرت هجرته وليس في الحديث ما يدل على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقدمهم سنًا‏)‏ أي يقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام لأن ذلك فضيلة يرجح بها‏.‏ والمراد بقوله ‏(‏سلمًا‏)‏ في الرواية التي ذكرها المصنف الإسلام فيكون من تقدم إسلامه أولى ممن تأخر إسلامه‏.‏ وجعل البغوي أولاد من تقدم إسلامه أولى من أولاد من تأخر إسلامه والحديث لا يدل عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يؤمنَّ الرجل الرجل في سلطانه‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ لأنه موضع سلطنته انتهى‏.‏ والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس لا صاحب البيت ونحوه ويدل على ذلك ما في رواية أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه‏)‏ وظاهره أن السلطان مقدم على غيره وإن كان أكثر منه قرآنًا وفقهًا وورعًا وفضلًا فيكون كالمخصص لما قبله‏.‏

قال أصحاب الشافعي‏:‏ ويقدم السلطان أو نائبه على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة‏.‏ قالوا‏:‏ ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على تكرمته‏)‏ قال النووي وابن رسلان‏:‏ بفتح التاء وكسر الراء الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به دون أهله‏.‏ وقيل هي الوسادة وفي معناها السرير ونحوه‏.‏

3 - وعن مالك بن الحويرث قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا‏:‏ إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ ولأحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏وكانا متقاربين في القراءة‏)‏ ولأبي داود‏:‏ ‏(‏وكنا يومئذ متقاربين في العلم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أردنا الإقفال‏)‏ هو مصدر أقفل أي رجع‏.‏ وفي رواية للبخاري أن مالك بن الحويرث قال‏:‏ ‏(‏قدمنا على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونحن شببة فلبثنا عنده نحوًا من عشرين ليلة وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم رحيمًا فقال‏:‏ لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليؤمكما أكبركما‏)‏ فيه متمسك لمن قال بوجوب الجماعة وقد ذكرنا فيما تقدم ما يدل على صرفه إلى الندب وظاهره أن المراد كبر السن‏.‏ ومنهم من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن والقدر وهو مقيد بالاستواء في القراءة والفقه كما في الروايتين الأخريين‏.‏ وقد زعم بعضهم أنه معارض لقوله ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم‏)‏ ثم جمع بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين غير قابلة للعموم بخلاف قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم‏)‏ والتنصيص على تقاربهم في القراءة والعلم يرد عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنا يومئذ متقاربين في العلم‏)‏ قال في الفتح‏:‏ أظن في هذه الرواية إدراجًا فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال‏:‏ قلت لأبي قلابة فأين القراءة قال‏:‏ فإنهما كانا متقاربين ثم ذكر ما يدل على عدم الإدراج‏.‏

4 - وعن مالك بن الحويرث قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان لقوله صلى اللَّه عليه وسلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه‏.‏

5 - ويعضده عموم ما روى ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة عبد أدى حق اللَّه وحق مواليه ورجل أمَّ قومًا وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل ليلة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

6 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ لا يحل لرجل يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يؤم قومًا إلا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

أما حديث مالك بن الحويرث فحسنه الترمذي وفي إسناده أبو عطية قال أبو حاتم‏:‏ لا يعرف ولا يسمى ويشهد له حديث ابن مسعود عند الطبراني بإسناد صحيح‏.‏ والأثرم بلفظ‏:‏ ‏(‏من السنة أن يتقدم صاحب البيت‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

وحديث عبد اللَّه ابن حنطب عند البزار والطبراني قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ الرجل أحق بصدر فراشه وأحق بصدر دابته وأحق أن يؤم في بيته‏)‏ وما تقدم من حديث أبي مسعود عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏ولا يؤم الرجل في بيته‏)‏‏.‏

وأما حديث أبي مسعود الذي أشار إليه المصنف فقد تقدم في أول الباب‏.‏

وأما حديث ابن عمر فقد حسنه الترمذي وفي إسناده أبو اليقظان عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف ضعفه أحمد وغيره وتركه ابن مهدي وقد أخرجه أيضًا أحمد‏.‏

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود من رواية ثور عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن وكلهم ثقات عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏ وأخرجه أيضًا الترمذي بهذا الإسناد عن ثوبان ولكن لفظه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن فإن نظر فقد دخل ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن‏)‏ وقال‏:‏ حديث حسن ثم قال‏:‏ وقد روي هذا الحديث عن يزيد بن شريح عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكان حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادًا وأشهر انتهى‏.‏

وأخرجه أيضًا أحمد عن أبي أمامة وفيه‏:‏ ‏(‏ولا يؤمنَّ قومًا فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم‏)‏ ورواه الطبراني أيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏ومن صلى بقوم فخص نفسه بدعوة دونهم فقد خانهم‏)‏ وفي حديث أبي أمامة اختلاف ذكره الدارقطني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم‏)‏ فيه أن المزور أحق بالإمامة من الزائر وإن كان أعلم أو اقرأ من المزور‏.‏ قال الترمذي‏:‏ والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم قالوا صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ إذا أذن له فلا بأس أن يصلي به‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له قال‏:‏ وكذلك في المسجد إذ زارهم يقول ليصل بهم رجل منهم انتهى‏.‏

وقد حكى المصنف عن أكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان واستدل بما ذكره وقد عرفت مما سلف أن أبا داود زاد في حديث أبي مسعود ‏(‏ولا يؤم الرجل في بيته‏)‏ فيصلح حينئذ قوله في آخر حديثه ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ لتقييد جميع الجمل المذكورة فيه التي من جملتها قوله ‏(‏ولا يؤم الرجل في بيته‏)‏ على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول وقال به الشافعي وأحمد قالا ما لم يقم دليل على اختصاص القيد ببعض الجمل‏.‏ ويعضد التقييد بالإذن عموم قوله في حديث ابن عمر وهم به راضون‏.‏ وقوله في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏إلا بإذنهم‏)‏ كما قال المصنف فإنه يقتضي جواز إمامة الزائر عند رضا المزور‏.‏

قال العراقي‏:‏ ويشترط أن يكون المزور أهلًا للإمامة فإن لم يكن أهلًا كالمرأة في صورة كون الزائر رجلًا والأمي في صورة كون الزائر قارئًا ونحوهما فلا حق له في الإمامة ‏.‏

 باب إمامة الأعمى والعبد والمولى

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن محمود بن الربيع‏:‏ ‏(‏أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال‏:‏ يا رسول اللَّه إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول اللَّه في بيتي مكانًا أتخذه مصلى فجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ أين تحب أن أصلي فأشار إلى مكان في البيت فصلى فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏‏.‏

رواه بهذا اللفظ البخاري والنسائي‏.‏

حديث أنس أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني عن عائشة وأخرجه أيضًا الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس وأخرجه أيضًا من حديث ابن بحينة وفي إسناده الواقدي‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عبد اللَّه بن عمر الخطمي أنه كان يؤم قومه بني خطمة وهو أعمى على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وابن أبي خيثمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بهم وهو أعمى‏)‏ فيه جواز إمامة الأعمى وقد صرح أبو إسحاق المروزي والغزالي بأن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأنه أكثر خشوعًا من البصير لما في البصير من شغل القلب بالمبصرات ورجح البعض أن إمامة البصير أولى لأنه أشد توقيًا للنجاسة والذي فهمه الماوردي من نص الشافعي أن إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم الكراهية لأن في كل منهما فضيلة غير أن إمامة البصير أفضل لأن أكثر من جعله النبي صلى اللَّه عليه وسلم إمامًا البصراء وأما استنابته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لابن أم مكتوم في غزواته فلأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين إلا معذور فلعله لم يكن في البصراء المتخلفين من يقوم مقامه أو لم يتفرغ لذلك أو استخلفه لبيان الجواز‏.‏

وأما إمامة عتبان بن مالك لقومه فلعله أيضًا لم يكن في قومه من هو في مثل حاله من البصراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يؤم قومه وهو أعمى‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏أنه قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ يا رسول اللَّه قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي‏)‏ وهو أصرح من اللفظ الذي ذكره المصنف في الدلالة على المطلوب لما فيه من ظهور التقرير بدون احتمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا رجل ضرير البصر‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏جعل بصري يكل‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏قد أنكرت بصري‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏أصابني في بصري بعض الشيء‏)‏ واللفظ الذي ذكره المصنف أخرجه البخاري في باب الرخصة في المطر وهو يدل على أنه قد كان أعمى‏.‏ وبقية الروايات تدل على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد العمى‏.‏ وفي رواية لمسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏أنه عمي فأرسل‏)‏ وقد جمع بين الروايات بأنه أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوت بعض البصر المعهود في حال الصحة وأما قول محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى فالمراد أنه لقيه حين سمع منه الحديث وهو أعمى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكانًا‏)‏ هو منصوب على الظرفية‏.‏

ـ وفي حديث عتبان ـ فوائد منها إمامة الأعمى وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة‏.‏ والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة‏.‏ واتخاذ موضع معين للصلاة‏.‏ وإمامة الزائر إذا كان هو الإمام الأعظم‏.‏ والتبرك بالمواضع التي صلى فيها صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏ وإجابة الفاضل دعوة المفضول وغير ذلك‏.‏

3 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة موضعًا بقباء قبل مقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنًا وكان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود‏.‏

4 - وعن ابن أبي مليكة‏:‏ ‏(‏أنهم كانوا يأتون عائشة بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق‏)‏‏.‏

رواه الشافعي في مسنده‏.‏

ذكر الحافظ في التلخيص رواية ابن أبي مليكة ونسبها إلى الشافعي كما نسبها المصنف وذكر في الفتح أنها رواها أيضًا عبد الرزاق قال وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن هشام عن أبي بكر بن أبي مليكة أن عائشة أعتقت غلامًا لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف‏.‏ وعلقه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم المهاجرون الأولون‏)‏ أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العصبة‏)‏ بالعين المهملة المفتوحة وقيل مضمومة وإسكان الصاد المهملة وبعدها موحدة اسم مكان بقباء‏.‏

وفي النهاية عن بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين قيل والمعروف المعصب بالتشديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان يؤمها سالم مولى أبي حذيفة هو مولى امرأة من الأنصار فأعتقته وكانت إمامته بهم قبل أن يعتق وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بعد أن أعتق فتبناه فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه‏.‏ واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أكثرهم قرآنًا‏)‏ إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه‏.‏ وفي رواية للطبراني‏:‏ لأنه كان أكثرهم قرآنًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان فيهم عمر بن الخطاب‏)‏ الخ زاد البخاري في الأحكام أبا بكر الصديق وزيد بن حارثة وعامر بن ربيعة‏.‏ واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه‏.‏ ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استقر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولا يخفى ما فيه‏.‏

وقد استدل المصنف رحمه اللَّه بإمامة سالم بهؤلاء الجماعة على جواز إمامة العبد‏.‏ ووجه الدلالة عليه إجماع أكابر الصحابة القرشيين على تقديمه وكذلك استدل بإمامة مولى عائشة لأولئك لمثل ذلك‏.‏

 باب ما جاء في إمامة الفاسق

1 - عن جابر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ لا تؤمنَّ امرأة رجلًا ولا أعرابي مهاجرًا ولا يؤمنَّ فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

3 - وعن مكحول عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا وإن عمل الكبائر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني بمعناه وقال‏:‏ مكحول لم يلق أبا هريرة‏.‏ وعن عبد الكريم البكاء قال‏:‏ ‏(‏أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كلهم يصلي خلف أئمة الجور‏)‏ رواه البخاري في تاريخه‏.‏

حديث جابر في إسناده عبد اللَّه بن محمد التميمي وهو تالف‏.‏ قال البخاري‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ لا يجوز الاحتجاج به‏.‏ وقال وكيع‏:‏ يضع الحديث وقد تابعه عبد الملك بن حبيب في الواضحة ولكنه متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد وقد صرح ابن عبد البر بأن عبد الملك المذكور أفسد إسناد هذا الحديث وقد ثبت في كتب جماعة من أئمة أهل البيت كأحمد بن عيسى والمؤيد باللَّه وأبي طالب وأحمد بن سليمان والأمير الحسين وغيرهم عن علي عليه السلام مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه‏)‏ وفي إسناد حديث جابر أيضًا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف‏.‏

وحديث ابن عباس في إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا البيهقي وهو منقطع وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وفي إسناده عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك‏.‏ وأخرجه الدارقطني أيضًا من حديث الحارث عن علي عليه السلام ومن حديث علقمة والأسود عن عبد اللَّه ومن حديث مكحول أيضًا عن واثلة ومن حديث أبي الدرداء من طرق كلها كما قال الحافظ واهية جدًا‏.‏ قال العقيلي‏:‏ ليس في هذا المتن إسناد يثبت‏.‏

ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال ما سمعناه بهذا‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ ليس فيها شيء يثبت‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله‏.‏ وقال أبو أحمد الحاكم هذا حديث منكر وأما قول عبد الكريم البكاء أنه أدرك عشرة من أصحاب النبي الخ فهو ممن لا يحتج بروايته‏.‏ وقد استوفي الكلام عليه في الميزان ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من هذه الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعًا فعليًا ولا يبعد أن يكون قوليًا على الصلاة خلف الجائرين لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى‏.‏

وقد أخرج البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف‏.‏ وأخرج مسلم وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة وإخراج منبر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإنكار بعض الحاضرين‏.‏ وأيضًا قد ثبت تواترًا أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها فقالوا‏:‏ يا رسول اللَّه بما تأمرنا فقال‏:‏ ‏(‏صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة‏)‏ ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل وقد أذن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالصلاة خلفه نافلة ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك‏.‏

ومما يؤيد عدم اشتراط عدالة إمام الصلاة حديث ‏(‏صلوا خلف من قال لا إله إلا اللَّه وصلوا على من قال لا إله إلا اللَّه‏)‏ أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين ورواه أيضًا من وجه آخر عنه وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ورواه أيضًا من وجه آخر عنه وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله أيضًا على الضياء المقدسي وتابعه أبو البختري وهب ابن وهب وهو كذاب‏.‏

ورواه أيضًا والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وله طريق أخرى عند ابن عمر وفيها عثمان بن عبد اللَّه العثماني وقد رماه ابن عدي بالوضع‏.‏ ومما يؤيد ذلك أيضًا عموم أحاديث الأمر بالجماعة من غير فرق بين أن يكون الإمام برًا أو فاجرًا‏.‏

ـ والحاصل ـ أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به فالقائل بأن العدالة شرط كما روي عن العترة ومالك بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل وقد أفردت هذا البحث برسالة مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلًا من العمومات القرآنية وغيرها ولهم متمسك على اشتراط العدالة لم أقف على أحد استدل به ولا تعرض له وهو ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن السائب بن خلاد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا أمَّ قومًا فبصق في القبلة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين فرغ‏:‏ لا يصلي لكم فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ نعم‏)‏ قال الراوي‏:‏ حسبت أنه قال له إنك آذيت اللَّه ورسوله‏.‏

ـ واعلم ـ أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر‏.‏ وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم‏)‏ ويؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب‏.‏ وله‏:‏ ‏(‏لا تؤمنَّ امرأة رجلًا‏)‏ وفيه أن المرأة لا تؤم الرجل وقد ذهب إلى ذلك العترة والحنفية والشافعية وغيرهم وأجاز المزني وأبو ثور والطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن‏.‏

ويستدل للجواز بحديث أم ورقة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها‏)‏ رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وأخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم‏.‏ وأصل الحديث‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما غزا بدرًا قالت‏:‏ يا رسول اللَّه أتاذن لي في الغزو معك فأمرها أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذن يؤذن لها وكان لها غلام وجارية دبرتهما‏)‏ فالظاهر أنها كانت تصلي ويأتم بها مؤذنها وغلامها وبقية أهل دارها‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أعرابي مهاجرًا‏)‏ فيه أنه لا يؤم الأعرابي الذي لم يهاجر بمن كان مهاجرًا وقد تقدم أن المهاجر أولى من المتأخر عنه في الهجرة وممن لم يهاجر أولى بالأولى‏.‏

 باب ما جاء في إمامة الصبي

1 - عن عمرو بن مسلمة قال‏:‏ ‏(‏لما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبادر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال‏:‏ جئتكم من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم حقًا فقال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين وكانت عليَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي‏:‏ ألا تغطون عنا إست قارئكم فاشتروا فقطعوا لي قميصًا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي بنحوه‏.‏ قال فيه‏:‏ ‏(‏كنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين‏)‏ وأبو داود وقال فيه‏:‏ ‏(‏وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين‏)‏ وأحمد ولم يذكر سنه‏.‏ ولأحمد وأبي داود‏:‏ ‏(‏فما شهدت مجمعًا من جرم إلا كنت إمامهم إلى يومي هذا‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود‏)‏‏.‏

3 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لا يؤم الغلام حتى يحتلم‏)‏ رواهما الأثرم في سننه‏.‏ ‏[‏قوله في أول الحديث وبادر أبي قومي أي سبق أبي قومي بالإسلام وكذلك بدر كما في بعض روايات البخاري‏.‏ وقوله فاشتروا مفعوله محذوف أي فاشتروا ثوبًا‏.‏ وفي رواية أبي داود كما سينبه عليه الشارح بعد‏:‏ ‏(‏فاشتروا لي قميصًا عمانيًا‏)‏ وهو بفتح العين المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان من البحرين واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

عمرو بن سلمة قد اختلف في صحبته قال في التهذيب‏:‏ لم يثبت له سماع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏ وروى الدارقطني ما يدل على أنه وفد مع أبيه‏.‏ وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق مرفوعًا بإسناد ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليؤمكم أكثركم‏)‏ فيه أن المراد بالأقرأ في الأحاديث المتقدمة الأكثر قرآنًا لا الأحسن قراءة وقد تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدموني‏)‏ فيه جواز إمامة الصبي‏.‏ ووجه الدلالة ما في قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليؤمكم أكثركم قرآنًا‏)‏ من العموم‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ ليس في إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏.‏ وأجيب بأن إمامته بهم كانت حال نزول الوحي ولا يقع حالة التقرير لأحد من الصحابة على الخطأ ‏[‏عبارة الحافظ في الفتح‏.‏ ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز اهـ وهي أظهر من عبارة الشارح هنا‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ ولذا استدل بحديث أبي سعيد وجابر‏:‏ ‏(‏كنا نعزل والقرآن ينزل‏)‏ وأيضًا الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا كلهم صحابة‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ ولا نعلم لهم مخالفًا كذا في الفتح‏.‏

وقد ذهب إلى جواز إمامة الصبي الحسن وإسحاق والشافعي والإمام يحيى ومنع من صحتها الهادي والناصر والمؤيد باللَّه من أهل البيت وكرهها الشعبي والأوزاعي والثوري ومالك‏.‏ واختلفت الرواية عن أحمد وأبي حنيفة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض وقد قيل إن حديث عمرو المذكور كان في نافلة لا فريضة ورد بأن قوله ‏(‏صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا‏)‏ يدل على أن ذلك كان في فريضة‏.‏

وأيضًا قوله ‏(‏فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم‏)‏ لا يحتمل غير الفريضة لأن النافلة لا يشرع لها الأذان‏.‏ ومن جملة ما أجيب به عن حديث عمرو المذكور ما روي عن أحمد بن حنبل أنه كان يضعف أمر عمرو بن سلمة وروى عن ذلك عنه الخطابي في المعالم ورد بأن عمرو بن سلمة صحابي مشهور‏.‏

قال في التقريب‏:‏ صحابي صغير نزل بالبصرة وقد روى ما يدل على أنه وفد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما تقدم‏.‏

وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة في الصلاة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار فهو من الغرائب‏.‏ وقد ثبت ‏(‏أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا‏)‏ زاد أبو داود‏:‏ ‏(‏من ضيق الإزار‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت عليَّ بردة‏)‏ في رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏وعليَّ بردة لي صغيرة‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏كنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق‏)‏ والبردة كساء صغير مربع ويقال كساء أسود صغير وبه كني أبو بردة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقلصت عني‏)‏ في رواية لأبي داود‏:‏ ‏(‏خرجت إستي‏)‏ وفي أخرى له‏:‏ ‏(‏تكشفت‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إست قارئكم‏)‏ المراد هنا بالإست العجز ويراد به حلقة الدبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاشتروا فقطعوا لي قميصًا‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏فاشتروا لي قميصًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جرم‏)‏ بجيم مفتوحة وراء ساكنة وهم قومه‏.‏ ومن جملة حجج القائلين بأن إمامة الصبي لا تصح حديث‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاثة‏)‏ ورد بأن رفع القلم لا يستلزم عدم الصحة ومن جملتها أن صلاته غير صحيحة لأن الصحة معناها موافقة الأمر والصبي غير مأمور ورد بمنع أن ذلك معناها بل معناها استجماع الأركان وشروط الصحة ولا دليل على أن التكليف منها ومن جملتها أيضًا أن العدالة شرط لما مر والصبي غير عدل ورد بأن العدالة نقيض الفسق وهو غير فاسق لأن الفسق فرع تعلق الطلب ولا تعلق وانتفاء كون صلاته واجبة عليه لا يستلزم عدم صحة إمامته لما سيأتي من صحة صلاة المفترض خلف المتنفل‏.‏

 باب إقتداء المقيم بالمسافر

1 - عن عمران بن حصين قال‏:‏ ‏(‏ما سافر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سفرًا إلا صلى ركعتين حتى يرجع وأنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول‏:‏ يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن عمر‏:‏ ‏(‏أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم قال‏:‏ يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ‏.‏

حديث عمران أخرجه أيضًا الترمذي وحسنه البيهقي وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده كما قال الحافظ‏.‏ وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما سافر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ الخ سيأتي الكلام عليه في أبواب صلاة المسافر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمان عشرة ليلة‏)‏ وقد روي أقل من ذلك وقد روي أكثر وسيأتي بيان الاختلاف وكيفية الجمع بين الروايات في باب من أقام لقضاء حاجته‏.‏

والحديث يدل على جواز ائتمام المقيم بالمسافر وهو مجمع عليه كما في البحر‏.‏

واختلف في العكس فذهب الهادي والقاسم وأبو طالب وأبو العباس وطاوس وداود والشعبي والإمامية إلى عدم الصحة لقوله صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏لا تختلفوا على إمامكم‏)‏ وقد خالف في العدد والنية‏.‏ وذهب زيد بن علي والمؤيد باللَّه والباقر وأحمد بن عيسى والشافعية والحنفية إلى الصحة إذ لم تفصل أدلة الجماعة وقد خصصت الهادوية عدم صحة صلاة المسافر خلف المقيم بالركعتين الأوليين من الرباعية وقالوا بصحتها في الآخرتين ويدل للجواز مطلقًا ما أخرجه أحمد ابن حنبل في مسنده عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعًا إذا ائتم بمقيم تلك السنة‏)‏ وفي لفظ أنه قال له موسى بن سلمة‏:‏ ‏(‏إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا وإذا رجعنا صلينا ركعتين فقال تلك سنة أبي القاسم صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏‏.‏

وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه وقال‏:‏ إن أصله في مسلم والنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏قلت لابن عباس‏:‏ كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام قال‏:‏ ركعتين سنة أبي القاسم‏)‏‏.‏

 باب هل يقتدي المفترض بالمتنفل أم لا

1 - عن جابر‏:‏ ‏(‏أن معاذ كان يصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ورواه الشافعي والدارقطني وزاد‏:‏ ‏(‏هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء‏)‏‏.‏

2 - وعن معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بني سلمة‏:‏ ‏(‏أنه أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام ونكون في أعمالنا في النهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ يا معاذ لا تكن فتانًا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث معاذ بن رفاعة إسناده كلهم ثقات‏.‏ وحديث معاذ قد روي بألفاظ مختلفة وقد قدمنا في باب انفراد المأموم لعذر بعضًا من ذلك والزيادة التي رواها الشافعي والدارقطني رواها أيضًا عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي وغيرهم قال الشافعي‏:‏ هذا حديث ثابت لا أعلم حديثًا يروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه‏.‏

قال في الفتح بعد أن ذكر هذه الزيادة‏:‏ وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح وقد رد في الفتح على ابن الجوزي لما قال إنها لا تصح وعلى الطحاوي لما أعلها وزعم أنها مدرجة والرواية الثانية التي رواها أحمد رواها أيضًا الطحاوي وأعلها ابن حزم بالانقطاع لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا أدرك هذا الذي شكا إليه لأن هذا الشاكي مات قبل يوم أحد‏.‏

ـ واعلم ـ أنه قد استدل بالرواية المتفق عليها وتلك الزيادة المصرحة بأن صلاته بقومه كانت له تطوعًا على جواز إقتداء المفترض بالمتنفل وأجيب عن ذلك بأجوبة‏:‏

منها‏:‏ قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك‏)‏ فإنه ادعى الطحاوي أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصلي مع قومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي ويرد بأن غاية ما في هذا أنه أذن له بالصلاة معه والصلاة بقومه مع التخفيف والصلاة معه فقط مع عدمه وهو لا يدل على مطلوب المانع من ذلك نعم قال المصنف رحمه اللَّه ما لفظه‏:‏ وقد احتج به بعض من منع إقتداء المفترض بالمتنفل قال‏:‏ لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته وبالإجماع لا تمتنع بصلاة النفل معه فعلم أنه أراد بهذا القول صلاة الفرض وأن الذي كان يصلي معه كان ينويه نفلًا اهـ‏.‏

وعلى تسليم أن هذا هو المراد من ذلك القول فتلك الزيادة أعني قوله‏:‏ ‏(‏هي له تطوع ولهم مكتوبة‏)‏ أرجح سندًا وأصرح معنىً‏.‏ وقول الطحاوي إنها ظن من جابر مردود لأن جابرًا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه أخبر عن شخص بأمر غير معلوم له إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه فإنه اتقى للّه وأخشى‏.‏

ومنها‏:‏ أن فعل معاذ لم يكن بأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولا تقريره كذا قال الطحاوي ورد بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم علم بذلك وأمر معاذًا به فقال‏:‏ ‏(‏صل بهم صلاة أخفهم‏)‏ وقال له لما شكوا إليه تطويله‏:‏ ‏(‏أفتان أنت يا معاذ‏)‏ وأيضًا رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع ههنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم كما قال الحافظ ثلاثون عقبيًا وأربعون بدريًا وكذا قال ابن حزم قال‏:‏ ولا نحفظ من غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو الدرداء وأنس وغيرهم‏.‏

ومنها‏:‏ أن ذلك كان في الوقت الذي يصلي فيه الفريضة مرتين فيكون منسوخًا بقوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين‏)‏ كذا قال الطحاوي‏.‏ ورد بأن النهي عن فعل الصلاة مرتين محمول على أنها فريضة في كل مرة كما جزم بذلك البيهقي جمعًا بين الحديثين‏.‏ قال في الفتح‏:‏ بل لو قال قائل إن هذا النهي منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدًا ولا يقال القصة قديمة وصاحبها استشهد بأحد لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثانية مثلًا‏.‏ وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه‏:‏ ‏(‏إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة‏)‏ أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد ابن الأسود وصححه ابن خزيمة وغيره وقد تقدم وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويدل على الجواز أمره صلى اللَّه عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة‏.‏

ومنها‏:‏ أن صلاة المفترض خلف المتنفل من الاختلاف وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تختلفوا على إمامكم‏)‏ ورد بأن الاختلاف المنهي عنه مبين في الحديث بقوله‏:‏ ‏(‏فإذا كبر فكبروا‏)‏ الخ ولو سلم أنه يعم كل اختلاف لكان حديث معاذ ونحوه مخصصًا له ومن المؤيدات لصحة صلاة المفترض خلف المتنفل ما قاله أصحاب الشافعي أنه لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في مسجده الذي هو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام‏.‏

ومنها‏:‏ ما قاله الخطابي أن العشاء في قوله‏:‏ ‏(‏كان يصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم العشاء‏)‏ حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع‏.‏

ومنها‏:‏ ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في صلاة الخوف أنه كان يصلي بكل طائفة ركعتين‏.‏ وفي رواية أبي داود أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏صلى بطائفة ركعتين وسلم ثم صلى بطائفة ركعتين‏)‏ وإحداهما نفل قطعًا‏.‏ ودعوى اختصاص ذلك بصلاة الخوف غير ظاهر‏.‏

ومنها‏:‏ ما رواه الإسماعيلي عن عائشة أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يعود من المسجد فيؤم بأهله وقد تقدم‏.‏

 باب إقتداء الجالس بالقائم

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعد في ثوب متوشحًا به‏)‏‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدًا‏)‏‏.‏

رواهما الترمذي وصححهما‏.‏

حديث أنس أخرجه النسائي أيضًا والبيهقي وحديث عائشة أخرجه أيضًا النسائي‏.‏

والحديثان يدلان على أن الإمام في تلك الصلاة هو أبو بكر وقد اختلفت الروايات في ذلك عن عائشة وغيرها‏.‏ وقد قدمنا طرفًا من الاختلاف وأشرنا إلى الجمع بينهما في باب الإمام ينتقل مأمومًا‏.‏ وفيهما دليل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم ولا أعلم فيه خلافًا ‏.‏

 باب إقتداء القادر على القيام بالجالس وأنه يجلس معه

1 - عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع ركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا‏)‏‏.‏

2 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏سقط النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا فصلينا وراءه قعودًا فلما قضى الصلاة قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏ وللبخاري عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صرع عن فرسه فجحش شقه أو كتفه فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسًا وهم قيام فلما سلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏)‏ ولأحمد في مسنده حدثنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم انفكت قدمه فقعد في مشربة له درجتها من جذوع فأتى أصحابه يعودونه فصلى بهم قاعدًا وهم قيام فلما حضرت الصلاة الأخرى قال لهم‏:‏ ائتموا بإمامكم فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏.‏

3 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏ركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرسًا بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسًا قال‏:‏ فقمنا خلفه فسكت عنا ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسًا فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا فلما قضى الصلاة قال‏:‏ إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا وإذا صلى الإمام قائمًا فصلوا قيامًا ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث عائشة أخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجه‏.‏ وحديث أنس أخرجه أيضًا بقية الأئمة الستة‏.‏ وحديث جابر أخرجه أيضًا مسلم وابن ماجه والنسائي من رواية الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ‏:‏ ‏(‏اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا فلما سلم قال‏:‏ إن كنتم آنفًا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏)‏‏.‏

ورواه أيضًا مسلم من رواية عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير عن جابر‏.‏ ورواه أبو داود من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر‏.‏

ـ وفي الباب ـ أحاديث قد قدمنا الإشارة إليها في باب وجوب متابعة الإمام وقد قدمنا الكلام على أكثر ألفاظ أحاديث الباب هنالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشربة‏)‏ بفتح الميم وبالشين المعجمة وبضم الراء وفتحها وهي الغرفة‏.‏ وقيل كالخزانة فيها الطعام والشراب ولهذا سميت مشربة فإن المشربة بفتح الراء فقط هي الموضع الذي يشرب منه الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على جذم‏)‏ بجيم مكسورة وذال معجمة ساكنة وهو أصل الشيء والمراد هنا أصل النخلة‏.‏ وفي رواية ابن حبان ‏(‏على جذع نخلة ذهب أعلاها وبقي أصلها في الأرض‏)‏ وحكى الجوهري فتح الجيم وهي ضعيفة فإن الجذم بالفتح القطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانفكت‏)‏ الفك نوع من الوهن والخلع وانفك العظم انتقل من مفصله يقال فككت الشيء أبنت بعضه من بعض‏.‏

وقد استدل بالأحاديث المذكورة في الباب القائلون إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعدًا وإن لم يكن المأموم معذورًا وممن قال بذلك أحمد وإسحاق والأوزاعي وابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين أن يصلي قاعدًا وبين أن يصلي قائمًا‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ وبمثل قولنا يقول جمهور السلف ثم رواه عن جابر وأبي هريرة وأسيد بن حضير قال‏:‏ ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة ورواه عن عطاء وروي عن عبد الرزاق أنه قال‏:‏ ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدًا صلى من خلفه قعودًا قال‏:‏ وهي السنة عن غير واحد‏.‏

وقد حكاه ابن حبان أيضًا عن الصحابة الثلاثة المذكورين وعن قيس بن قهد أيضًا من الصحابة وعن أبي الشعثاء وجابر بن زيد من التابعين وحكاه أيضًا عن مالك بن أنس وأبي أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبي خثيمة وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ثم قال بعد ذلك‏:‏ وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته لأن من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أربعة أفتوا به والإجماع عندنا إجماع الصحابة ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدًا كان على المأمومين أن يصلوا قعودًا وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد وأبو الشعثاء ولم يرو عن أحد من التابعين أصلًا خلافه لا بإسناد صحيح ولا واه فكأن التابعين أجمعوا على إجازته قال‏:‏ وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدًا إذا صلى إمامه جالسًا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه انتهى كلام ابن حبان‏.‏ وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك‏.‏

وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين‏.‏ وقال الحازمي في الاعتبار ما لفظه‏:‏ وقال أكثر أهل العلم يصلون قيامًا ولا يتابعون الإمام في الجلوس ‏[‏الحازمي عقد بابًا في كتابه الاعتبار وأورد فيه الأحاديث الواردة في ثبوت إئتمام المأموم بإمامه إذا صلى جالسًا وبين اختلاف العلماء في ذلك ومن رأى أن الأحاديث الواردة في ذلك محكمة ثم قال‏:‏ وقال أكثر أهل العلم يصلون قيامًا ولا يتابعون الإمام في الجلوس ورأوا أن هذه الأحاديث منسوخة‏.‏

وممن ذهب إلى ذلك من العلماء عبد اللَّه بن المبارك والشافعي وأصحابه وقد حكينا نحو هذا عن الثوري‏.‏ اهـ‏]‏‏.‏ وقد أجاب المخالفون لأحاديث الباب بأجوبة‏:‏

أحدها‏:‏ دعوى النسخ قاله الشافعي والحميدي وغير واحد وجعلوا الناسخ ما تقدم من صلاته صلى اللَّه عليه وسلم في مرض موته بالناس قاعدًا وهم قائمون خلفه ولم يأمرهم بالقعود وأنكر أحمد نسخ الأمر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين‏:‏ إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدًا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودًا‏.‏

ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائمًا لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قيامًا سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدًا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى اللَّه عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائمًا وصلوا معه قيامًا بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى اللَّه عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسًا فلما صلوا خلفه قيامًا أنكر عليهم‏.‏

ويقوِّي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدًا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدًا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد‏.‏

والجواب الثاني من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب دعوى التخصيص بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم في كونه يؤم جالسًا حكى ذلك القاضي عياض قال‏:‏ ولا يصح لأحد أن يؤم جالسًا بعده صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ وهو مشهور قول مالك وجماعة أصحابه قال‏:‏ وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها ولا لعذر ولا لغيره ورد بصلاته صلى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر وقد تقدم ذلك‏.‏

وقد استدل على دعوى التخصيص بحديث الشعبي عن جابر مرفوعًا ‏(‏لا يؤمنَّ أحد بعدي جالسًا‏)‏ وأجيب عن ذلك بأن الحديث لا يصح من وجه من الوجوه كما قال العراقي وهو أيضًا عند الدارقطني من رواية جابر الجعفي عن الشعبي مرسلًا وجابر متروك‏.‏

وروي أيضًا من رواية مجالد عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور‏.‏ ولما ذكر ابن العربي أن هذا الحديث لا يصح عقبه بقوله بيد أني سمعت بعض الأشياخ أن الحال أحد وجوه التخصيص وحال النبي صلى اللَّه عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض منه يقتضي الصلاة خلفه قاعدًا وليس ذلك كله لغيره انتهى‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وقد عرف أن الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل انتهى‏.‏

على أنه يقدح في التخصيص ما أخرجه أبو داود ‏(‏أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعوده فقيل له‏:‏ يا رسول اللَّه إن إمامنا مريض فقال‏:‏ إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏)‏ قال أبو داود‏:‏ وهذا الحديث ليس بمتصل‏.‏ وما أخرجه عبد الرزاق عن قيس بن قهد الأنصاري ‏(‏أن إمامًا لهم اشتكى على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ فكان يؤمنا جالسًا ونحن جلوس‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

والجواب الثالث من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب أنه يجمع بين الأحاديث بما تقدم عن أحمد بن حنبل وأجيب عنه بأن الأحاديث ترده لما في بعض الطرق أنه أشار إليهم بعد الدخول في الصلاة‏.‏

والجواب الرابع تأويل قوله ‏(‏وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أي وإذا تشهد قاعدًا فتشهدوا قعودًا أجمعين‏)‏ حكاه ابن حبان في صحيحه عن بعض العراقيين وهو كما قال ابن حبان تحريف للخبر عن عمومه بغير دليل ويرده ما ثبت في حديث عائشة أنه أشار إليهم أن اجلسوا وفيه تعليل ذلك بموافقة الأعاجم في القيام على ملوكهم‏.‏

إذا عرفت الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب فاعلم أنه قد أجاب المتمسكون بها على الأحاديث المخالفة لها بأجوبة‏:‏

منها قول ابن خزيمة أن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدًا لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى اللَّه عليه وسلم في مرض موته فاختلف فيها هل كان إمامًا أو مأمومًا‏.‏

ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز‏.‏

ومنها أنه استمر عمل الصحابة على القعود خلف الإمام القاعد في حياته صلى اللَّه عليه وآله وسلم وبعد موته كما تقدم عن أسيد بن حضير وقيس بن قهد‏.‏

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسًا وصلوا معه جلوسًا‏.‏ وعن أبي هريرة أيضًا أنه أفتى بذلك وإسناده كما قال الحافظ صحيح‏.‏

ومنها ما روي عن ابن شعبان أنه نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى اللَّه عليه وسلم قيامًا غير أبي بكر لأن ذلك لم يرد صريحًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال‏:‏ إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ثم وجدته مصرحًا به في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه‏:‏ ‏(‏فصلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قاعدًا وجعل أبا بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قيامًا‏)‏ قال‏:‏ وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي قال‏:‏ وهذا الذي يقتضيه النظر لأنهم ابتدءوا الصلاة مع أبي بكر قيامًا فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان‏.‏

 

باب إقتداء المتوضئ بالمتيمم

1 - فيه حديث عمرو بن العاص عن غزوة ذات السلاسل وقد سبق‏.‏

وعن سعيد بن جبير قال‏:‏ ‏(‏كان ابن عباس في سفر معه ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم منهم عمار بن ياسر فكانوا يقدمونه لقرابته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلى بهم ذات يوم فضحك وأخبرهم أنه أصاب من جارية له رومية فصلى بهم وهو جنب متيمم‏)‏‏.‏

رواه الأثرم‏.‏ واحتج به أحمد في روايته‏.‏

حديث عمرو بن العاص تقدم في باب الجنب يتيمم لخوف البرد من كتاب التيمم وفيه أنه‏:‏ ‏(‏احتلم في ليلة باردة فتيمم ثم صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما قدموا على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال‏:‏ يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقال‏:‏ ذكرت قول اللَّه ولا تقتلوا أنفسكم فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يقل شيئًا‏)‏‏.‏

وبهذا التقرير احتج من قال بصحة صلاة المتوضئ خلف المتيمم ويؤيد ذلك ما أخرجه الدارقطني عن البراء‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ إذا صلى الإمام بقوم وهو على غير وضوء أجزأتهم ويعيد‏)‏ وفي إسناده جويبر بن سعيد وهو متروك وفي إسناده أيضًا انقطاع‏.‏

وما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والبيهقي من حديث أبي بكرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم‏)‏‏.‏

وفي رواية له قال في أوله‏:‏ ‏(‏وكبر‏)‏ وقال في آخره‏:‏ ‏(‏فلما قضى الصلاة قال‏:‏ إنما أنا بشر مثلكم وإني كنت جنبًا‏)‏ وسيأتي الحديث قريبًا وهو في الصحيحين بلفظ‏:‏ ‏(‏أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف وقال مكانكم‏)‏ الحديث‏.‏

وعلى هذا فلا يكون الحديث مؤيدًا ولكنه زعم ابن حبان أنهما قضيتان‏.‏ إحداهما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه جنب قبل الإحرام بالصلاة والثانية بعد أن أحرم‏.‏ ومن المؤيدات لجواز صلاة المتيمم بالمتوضئ ما ذكره المصنف من الأثر المروي عن ابن عباس‏.‏

وذهبت العترة إلى أنه لا يصح إئتمام المتوضئ بالمتيمم واحتج لهم في البحر بقوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يؤمنَّ المتيمم المتوضئين‏)‏ وهذا الحديث لو صح لكان حجة قوية‏.‏

 باب من اقتدى بمن أخطأ بترك شرط أو فرض ولم يعلم

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطؤوا فلكم وعليهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

2 - وعن سهل بن سعد قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه‏)‏ يعني ولا عليهم‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏ وقد صح عن عمر أنه صلى بالناس وهو جنب ولم يعلم فأعاد ولم يعيدوا وكذلك عثمان‏.‏ وروي عن علي من قوله رضي اللَّه عنهم ‏.‏

حديث سهل بن سعد في إسناده عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلون بكم‏)‏ لفظ البخاري‏:‏ ‏(‏يصلون لكم‏)‏ باللام التي للتعليل والمراد الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أصابوا فلكم‏)‏ أي ثواب صلاتكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولهم‏)‏ هذه اللفظة ليست في البخاري وهي في مسند أحمد والمراد أن لهم ثواب صلاتهم‏.‏

وزعم ابن بطال أن المراد بالإصابة هنا إصابة الوقت واستدل بحديث ابن مسعود مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لعلكم تدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة‏)‏ وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره قال‏:‏ فالتقدير على هذا فإن أصابوا الوقت وإن أخطؤوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت‏.‏

وأجاب عنه الحافظ بأن زيادة لهم كما في رواية أحمد تدل على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد‏.‏ وكذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وكذلك أخرج هذه الزيادة ابن حبان من حديث أبي هريرة وأبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم‏)‏ وفي رواية لأحمد في هذا الحديث‏:‏ ‏(‏فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم‏)‏ قال في الفتح‏:‏ فهذا يبين أن المراد ما هو أعم من إصابة الوقت‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أخطؤوا‏)‏ أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه‏.‏ قال المهلب‏:‏ فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر واستدل به البغوي على أنه يصح صلاة المأمومين إذا كان إمامهم محدثًا وعليه الإعادة‏.‏

قال في الفتح‏:‏ واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الإئتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركنًا كان أو غيره إذا أتم المأموم وهو وجه للشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه والأصح عندهم صحة الإقتداء إلا لمن علم أنه ترك واجبًا‏.‏ ومنهم من استدل به على الجواز مطلقًا وهو الظاهر من الحديث ويؤيده ما رواه المصنف عن الثلاثة الخلفاء رضي اللَّه عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الإمام ضامن‏)‏ قد قدمنا الكلام على حديث أبي هريرة وعلى معنى الضمان في باب الأذان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أساء فعليه‏)‏ فيه أن الإمام إذا كان مسيئًا كأن يدخل في الصلاة مخلًا بركن أو شرط عمدًا فهو آثم ولا شيء على المؤتمين من إساءته ‏.‏

 باب حكم الإمام إذا ذكر أنه محدث أو خرج لحدث سبقه أو غير ذلك

1 - عن أبي بكرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم استفتح الصلاة فكبر ثم أومأ إليهم أن مكانكم ثم دخل ثم خرج ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال‏:‏ إنما أنا بشر وإني كنت جنبًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وقال‏:‏ رواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏فكبر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا وذهب فاغتسل‏)‏‏.‏

2 - وعن عمرو بن ميمون قال‏:‏ ‏(‏إني لقائم بيني وبين عمر غداة أصيب إلا عبد اللَّه بن عباس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول‏:‏ قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه وتناول عمر عبد الرحمن بن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة‏)‏‏.‏

مختصر من البخاري‏.‏

3 - وعن ابن رزين قال‏:‏ ‏(‏صلى علي رضي اللَّه عنه ذات يوم فرعف فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي وإن صلوا وحدانًا فقد طعن معاوية وصلى الناس وحدانًا من حيث طعن أتموا صلاتهم‏)‏‏.‏

حديث أبي بكرة قال الحافظ‏:‏ اختلف في وصله وإرساله‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الدارقطني واختلف في وصله وإرساله كما اختلف في وصل حديث أبي بكرة وإرساله‏.‏ وعن علي عند أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة‏.‏ وعن عطاء بن يسار عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا عند أبي داود ومالك‏.‏ وعن أبي هريرة عند ابن ماجه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده نظر‏.‏ وعن محمد ابن سيرين عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا عند أبي داود كما ذكر المصنف‏.‏

والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة بألفاظ ليس فيها ذكر أن ذلك كان بعد الدخول في الصلاة وفي بعضها التصريح بأن ذلك كان قبل التكبير كما تقدم‏.‏

قال في الفتح‏:‏ يمكن الجمع بين رواية الصحيحين وغيرهما بأن يحمل قوله فكبر في رواية أبي داود وغيره على أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان كما تقدم عن ابن حبان وذكره أيضًا القاضي عياض والقرطبي‏.‏ وقال النووي‏:‏ إنه الأظهر فإن ثبت ذلك وإلا فما في الصحيحين أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أومأ‏)‏ أي أشار ورواية البخاري‏:‏ ‏(‏فقال لنا‏)‏ فتحمل رواية البخاري على إطلاق القول على الفعل‏.‏ ويمكن أن يكون جمع بين الكلام والإشارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن مكانكم‏)‏ منصوب بفعل محذوف هو وفاعله والتقدير الزموا مكانكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورأسه يقطر‏)‏ أي من ماء الغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بهم‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فصلينا معه‏)‏ وفيه جواز التخلل الكثير بين الإقامة والدخول في الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ قد تقدم الكلام على مثل هذا الحصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإني كنت جنبًا‏)‏ فيه دليل على جواز اتصافه صلى اللَّه عليه وسلم بالجنابة وعلى صدور النسيان منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن اجلسوا‏)‏ هذا يدل على أنهم قد كانوا اصطفوا للصلاة قيامًا وقد صرح بذلك البخاري عن أبي هريرة ولفظه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذهب‏)‏ في رواية لأبي داود‏:‏ ‏(‏فذهب‏)‏‏.‏ وللنسائي‏:‏ ‏(‏ثم رجع إلى بيته‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدمه فصلى بهم‏)‏ سيأتي حديث عمر مطولًا في كتاب الوصايا ويأتي الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى وفيه جواز الاستخلاف للإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك لتقرير الصحابة لعمر على ذلك وعدم الإنكار من أحد منهم فكان إجماعًا وكذلك فعل علي وتقريرهم له على ذلك وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك وفي قول للشافعي أنه لا يجوز واستدل له في البحر بتركه صلى اللَّه عليه وسلم الاستخلاف لما ذكر أنه جنب‏.‏ وأجاب عن ذلك بأنه فعل ذلك ليدل على جواز الترك أو ذكر قبل دخولهم في الصلاة قال‏:‏ ولا قائل بهذا إلا الشافعي انتهى‏.‏

وذهب أحمد بن حنبل إلى التخيير كما روى عنه المصنف رحمه اللَّه تعالى‏.‏

 باب من أمَّ قومًا يكرهونه

1 - عن عبد اللَّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ثلاثة لا يقبل اللَّه منهم صلاة‏:‏ من تقدم قومًا وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارًا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته‏.‏ ورجل اعتبد محرره‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه وقال فيه‏:‏ ‏(‏يعني بعد ما يفوته الوقت‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي أمامة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

حديث عبد اللَّه بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعفه الجمهور وحديث أبي أمامة انفرد بإخراجه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏ وقد ضعفه البيهقي‏.‏ قال النووي في الخلاصة‏:‏ والأرجح هنا قول الترمذي انتهى‏.‏

وفي إسناده أبو غالب الراسبي البصري صحح الترمذي حديثه‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ضعيف ووثقه الدارقطني‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثلاثة رجلًا أمَّ قومًا وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجلًا سمع حيَّ على الفلاح ثم لم يجب‏)‏ قال الترمذي‏:‏ حديث أنس لا يصح لأنه قد روي عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلًا وفي إسناده أيضًا محمد بن القاسم الأسدي‏.‏ قال الترمذي‏:‏ تكلم فيه أحمد بن حنبل وضعفه وليس بالحافظ وضعف حديث أنس هنا أيضًا البيهقي وقال بعد ذكر رواية الحسن له عن أنس‏:‏ ليس بشيء تفرد به محمد بن القاسم الأسدي عن الفضل بن دلهم عنه ثم قال‏:‏ وروي عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن أنس بن مالك يرفعه‏.‏

ـ وفي الباب ـ أيضًا عن ابن عباس عند ابن ماجه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ وعن طلحة عند الطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ أيما رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه‏)‏ وفي إسناده سليمان بن أيوب الطلحي قال‏:‏ فيه أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها‏.‏

وقال الذهبي في الميزان‏:‏ صاحب مناكير وقد وثق‏.‏ وعن أبي سعيد عند البيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رؤوسهم رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون‏)‏ الحديث‏.‏ قال البيهقي بعد ذكره‏:‏ وهذا إسناد ضعيف‏.‏ وعن سلمان عند ابن أبي شيبة في المصنف بنحو حديث أبي أمامة وهو من رواية القاسم بن مخيمرة عن سلمان ولم يسمع منه‏.‏

ـ وأحاديث الباب ـ يقوي بعضها بعضًا فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إمامًا لقوم يكرهونه ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك‏.‏ وقد ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون‏.‏

وقد روى العراقي ذلك عن علي بن أبي طالب والأسود بن هلال وعبد اللَّه بن الحارث البصري وقد قيد ذلك جماعة من أهل العلم بالكراهة الدينية لسبب شرعي فأما الكراهة لغير الدين فلا عبرة بها وقيدوه أيضًا بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين ولا اعتبار بكراهة الواحد والاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعًا كثير إلا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم معتبرة‏.‏ وحمل الشافعي الحديث على إمام غير الوالي لأن الغالب كراهة ولاة الأمر‏.‏

وظاهر الحديث عدم الفرق والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء‏:‏ لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورجل اعتبد محرره‏)‏ أي اتخذ معتقه عبدًا بعد اعتاقه وذلك بأن يعتقه ثم يكتمه ذلك ويستعمله يقال اعتبدته اتخذته عبدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تجاوز صلاتهم آذانهم‏)‏ أي لا ترتفع إلى السماء وهو كناية عن عدم القبول كما هو مصرح به في حديث ابن عمرو وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العبد الآبق‏)‏ فيه أن العبد الآبق لا تقبل له صلاة حتى يرجع من إباقه إلى سيده‏.‏ وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث جرير بن عبد اللَّه البجلي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة‏)‏ وروى القول بذلك عن أبي هريرة وقد أوَّل المازري وتبعه القاضي عياض حديث جرير على العبد المستحل للإباق فيكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها ونبه بالصلاة على غيرها وقد أنكر ابن الصلاح ذلك على المازري والقاضي وقال‏:‏ إن ذلك جار في غير المستحل ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة وقد قدمنا البحث عن هذا في مواضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وامرأة‏)‏ الخ فيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطًا عليها من الكبائر وهذا إذا كان غضبه عليها بحق‏.‏ وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبانًا عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏‏.‏

ولعل التأويل المذكور في عدم قبول صلاة العبد يجري في صلاة المرأة المذكورة‏.‏